كتاب الفتن » باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه
لا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ
6657 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا
إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ فَقَالَ اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ
إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ
نَبِيِّكُمْ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْلُهُ : أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا
يَلْقَوْنَ ) فِيهِ الْتِفَاتٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ : فَشَكَوْا
" وَهُوَ عَلَى الْجَادَّةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ
عَنِ الْفِرْيَابِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ " نَشْكُو
" بِنُونٍ بَدَلَ الْفَاءِ ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ : شَكَوْنَا إِلَى أَنَسٍ مَا
نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ " .
قَوْلُهُ : مِنَ الْحَجَّاجِ ) أَيِ ابْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ الْأَمِيرِ
الْمَشْهُورِ ، وَالْمُرَادُ شَكْوَاهُمْ مَا يَلْقَوْنَ مِنْ ظُلْمِهِ لَهُمْ
وَتَعَدِّيهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الزُّبَيْرُ فِي " الْمُوَفَّقِيَّاتِ " مِنْ
طَرِيقِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : كَانَ عُمَرُ فَمَنْ بَعْدَهُ إِذَا
أَخَذُوا الْعَاصِيَ أَقَامُوهُ لِلنَّاسِ وَنَزَعُوا عِمَامَتَهُ ، فَلَمَّا
كَانَ زِيَادٌ ضَرَبَ فِي الْجِنَايَاتِ بِالسِّيَاطِ ، ثُمَّ زَادَ مُصْعَبُ بْنُ
الزُّبَيْرِ حَلْقَ اللِّحْيَةِ ، فَلَمَّا كَانَ بِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ سَمَّرَ
كَفَّ الْجَانِي بِمِسْمَارٍ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْحَجَّاجُ قَالَ : هَذَا كُلُّهُ
لَعِبٌ ، فَقَتَلَ بِالسَّيْفِ " .
قَوْلُهُ : فَقَالَ : اصْبِرُوا ) زَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ
فِي رِوَايَتِهِ : اصْبِرُوا عَلَيْهِ " .
قَوْلُهُ ( فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ ) فِي رِوَايَةِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ " لَا يَأْتِيكُمْ عَامٌ . وَبِهَذَا
اللَّفْظِ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَ
هَذَا الْحَدِيثِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ " لَيْسَ عَامٌ إِلَّا وَالَّذِي
بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ " وَلَهُ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ قَالَ " أَمْسٌ
خَيْرٌ مِنَ الْيَوْمِ ، وَالْيَوْمُ خَيْرٌ مِنْ غَدٍ ، وَكَذَلِكَ حَتَّى
تَقُومَ السَّاعَةُ " .
قَوْلُهُ : إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ ، وَسَقَطَتِ
الْوَاوُ لِلْبَاقِينَ وَثَبَتَتْ لِابْنِ مَهْدِيٍّ .
قَوْلُهُ ( أَشَرُّ مِنْهُ ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ ،
وَلِلْبَاقِينَ بِحَذْفِ الْأَلِفِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ شَرْحُ ابْنِ التِّينِ
فَقَالَ : كَذَا وَقَعَ " أَشَرُّ " بِوَزْنِ أَفْعَلَ ، وَقَدْ قَالَ
فِي الصِّحَاحِ فُلَانٌ شَرٌّ مِنْ فُلَانٍ وَلَا يُقَالُ أَشَرُّ إِلَّا فِي
لُغَةٍ رَدِيئَةٍ .
قَوْلُهُ : حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ ) أَيْ حَتَّى تَمُوتُوا ، وَقَدْ
ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ آخَرَ : وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى
تَمُوتُوا.
قَوْلُهُ : سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : هَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ
لِإِخْبَارِهِ صَلّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَسَادِ الْأَحْوَالِ ، وَذَلِكَ
مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ بِالرَّأْيِ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْوَحْيِ
انْتَهَى .
وَقَدِ
اسْتَشْكَلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْأَزْمِنَةِ تَكُونُ فِي
الشَّرِّ دُونَ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إِلَّا زَمَنُ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ بَعْدَ زَمَنِ الْحَجَّاجِ بِيَسِيرٍ ، وَقَدِ اشْتَهَرَ الْخَبَرُ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، بَلْ لَوْ قِيلَ : إَنَّ الشَّرَّ اضْمَحَلَّ فِي
زَمَانِهِ لَمَا كَانَ بَعِيدًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ شَرًّا مِنَ الزَّمَنِ
الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ حَمَلَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَلَى الْأَكْثَرِ
الْأَغْلَبِ ، فَسُئِلَ عَنْ وُجُودِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ
الْحَجَّاجِ فَقَالَ : لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ تَنْفِيسٍ .
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ أَنَّ
الْمُرَادَ بِالتَّفْضِيلِ تَفْضِيلُ مَجْمُوعِ الْعَصْرِ عَلَى مَجْمُوعِ
الْعَصْرِ فَإِنَّ عَصْرَ الْحَجَّاجِ كَانَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي
الْأَحْيَاءِ وَفِي عَصْرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْقَرَضُوا ، وَالزَّمَانُ الَّذِي فِيهِ الصَّحَابَةُ خَيْرٌ مِنَ
الزَّمَانِ الَّذِي بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي . وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَقَوْلُهُ : أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا
ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .
ثُمَّ وَجَدْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ التَّصْرِيحَ
بِالْمُرَادِ وَهُوَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ ، فَأَخْرَجَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ
مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ : سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ : لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ يَوْمٌ إِلَّا
وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ،
لَسْتُ أَعْنِي رَخَاءً مِنَ الْعَيْشِ يُصِيبُهُ وَلَا مَالًا يُفِيدُهُ وَلَكِنْ
لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ يَوْمٌ وَإِلَّا وَهُوَ أَقَلُّ عِلْمًا مِنَ الْيَوْمِ
الَّذِي مَضَى قَبْلَهُ ، فَإِذَا ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ اسْتَوَى النَّاسُ فَلَا
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَعِنْدَ ذَلِكَ
يَهْلَكُونَ " وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ إِلَى قَوْلِهِ : شَرٌّ مِنْهُ " . قَالَ " فَأَصَابَتْنَا
سَنَةٌ خِصْبٌ فَقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ أَعْنِي إِنَّمَا أَعْنِي ذَهَابَ
الْعُلَمَاءِ .
وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ
مَسْرُوقٍ عَنْهُ قَالَ : لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا وَهُوَ أَشَرُّ
مِمَّا كَانَ قَبْلَهُ أَمَا إِنِّي لَا أَعْنِي أَمِيرًا خَيْرًا مِنْ أَمِيرٍ
وَلَا عَامًا خَيْرًا مِنْ عَامٍ وَلَكِنْ عُلَمَاؤُكُمْ وَفُقَهَاؤُكُمْ يَذْهَبُونَ
ثُمَّ لَا تَجِدُونَ مِنْهُمْ خَلَفًا ، وَيَجِيءُ قَوْمٌ يُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ " وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ : وَمَا ذَاكَ بِكَثْرَةِ الْأَمْطَارِ
وَقِلَّتِهَا وَلَكِنْ بِذَهَابِ الْعُلَمَاءِ ، ثُمَّ يُحْدِثُ قَوْمٌ يُفْتُونَ
فِي الْأُمُورِ بِرَأْيِهِمْ فَيَثْلِمُونَ الْإِسْلَامَ وَيَهْدِمُونَهُ " وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ الْأَوَّلَ مِنْ
طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ بِلَفْظِ : لَسْتُ أَعْنِي عَامًا أَخْصَبَ مِنْ عَامٍ "
وَالْبَاقِي مِثْلُهُ وَزَادَ : " وَخِيَارُكُمْ .
قَبْلَ قَوْلِهِ : وَفُقَهَاؤُكُمْ
" وَاسْتَشْكَلُوا أَيْضًا زَمَانَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ بَعْدَ زَمَانِ
الدَّجَّالِ ، وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ الزَّمَانُ الَّذِي
يَكُونُ بَعْدَ عِيسَى ؟ أَوِ الْمُرَادَ جِنْسُ الزَّمَانِ الَّذِي فِيهِ
الْأُمَرَاءُ ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ زَمَانَ
النَّبِيِّ الْمَعْصُومِ لَا شَرَّ فِيهِ . قُلْتُ : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ بِالْأَزْمِنَةِ مَا قَبْلَ وُجُودِ الْعَلَامَاتِ الْعِظَامِ
كَالدَّجَّالِ وَمَا بَعْدَهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَزْمِنَةِ
الْمُتَفَاضِلَةِ فِي الشَّرِّ مِنْ زَمَنِ الْحَجَّاجِ فَمَا بَعْدَهُ إِلَى
زَمَنِ الدَّجَّالِ ، وَأَمَّا زَمَنُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَهُ حُكْمٌ
مُسْتَأْنَفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَزْمِنَةِ الْمَذْكُورَةِ
أَزْمِنَةَ الصَّحَابَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ هُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ
فَيَخْتَصُّ بِهِمْ ، فَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَلَمْ يُقْصَدْ فِي الْخَبَرِ
الْمَذْكُورِ ، لَكِنَّ الصَّحَابِيَّ فَهِمَ التَّعْمِيمَ فَلِذَلِكَ أَجَابَ
مَنْ شَكَا إِلَيْهِ الْحَجَّاجَ بِذَلِكَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ ، وَهُمْ أَوْ
جُلُّهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ .
وَاسْتَدَلَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ لَيْسَ
عَلَى عُمُومِهِ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَهْدِيِّ وَأَنَّهُ
يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا بَعْدَ أَنْ مُلِئَتْ جَوْرًا ، ثُمَّ وَجَدْتُ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ الْحَدِيثُ وَهُوَ مَا
أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ عَامٌ
إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَعْنِي عَامًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق