الأحد، 9 ديسمبر 2012

إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ.




إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ.


ظهورالفتن بداية لعصرظهورالمسخ الدجال

 فأحذروا وتوبوا الي الله واقروا واتعظوا رحمكم الله

عَنْ أَبي مُوسى الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:

إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ. قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟

قَالَ: "الْقَتْلُ". قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ؟! إِنَّا لَنَقْتُلُ كُلَّ عَامٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا.

قَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا".

 قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا يَوْمَئِذٍ؟! قَالَ:

 "إِنَّهُ لَتُنْزَعُ عُقُولُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيُخَلَّفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ، يَحْسِبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ".
 قَالَ أَبُو مُوسَى: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجًاً - إِنْ أَدْرَكَتْنِي وَإِيَّاكُمْ- إِلا أَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْنَا فِيهَا؛ لَمْ نُصِبْ مِنْهَا دَمًاً، وَلا مَالاً. أخرجه أحمدُ(19492) ، وابنُ ماجه (3959) ، وابنُ حِبّان (1870) وغيرهم ، وصحّحه الألبانيُّ (سلسلة الأحاديث الصحيحة ، 1682). قوله: "بِالْمُدِّ": أَيْ مِنْ أُجْرَة الْعَمَل.
 الهرْج: القتل، القتل
أخرج الإمام أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، وهو في "الصحيحة" (1682) عن أبي موسى قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم :

إن بين يدي الساعة الهرج قالوا: وما الهرج قال: القتل إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضاً، حتى يقتل الرجل جاره، ويقتل أخاه، ويقتل عمه، ويقتل ابن عمه، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال: إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (19231).
ومعنى هباء: أي: قليل العقل.
قلت: وسبب قلة العقل، الجهل بدين الله ، وضعف البصيرة فيما تؤول إليه الأمور، وإعجاب المرء بنفسه، فلا يرجع إلى العلماء، بل يتبع هواه، وحظه من العلم النافع شبه معدوم.
 فيهون عليه القتل، فيقتل أخاه، ويقتل جاره، ويقتل ابن عمه .. والمراد بالهباء من الناس: حثالتهم.
وما أخبر به النبي صل الله عليه وسلم وقع بعضاً منه، وهو حاصل الآن كما ترى، فما يجري الآن في بلادنا فلسطين (في نهايات 1427عام ـ 2006 م)، وقبلها الصومال والجزائر، وما يجري منذ فترة في العراق التي هي بنص حديث النبي صل الله عليه وسلم
محل ظهور الفتن والبلابل والقتل، ومنها يطلع قرن الشيطان .. هو من أعلام نبوته صل الله عليه وسلم.
قال ابن حجر في "الفتح" (13/47): "فأول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سبباً للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به".
أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" (19228) عن سفيان بن حبي قال: سمعت ابن عمر يقول: "يا أهل العراق! تأتون بالمعضلات".
وأخرج الإمام مسلم (2905) عن سالم بن عبد الله أنه قال: "يا أهل العراق! ما أسأَلَكم عن الصغيرة! وأركبَكم للكبيرة! سمعت أبي عبدَ الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول:
إن الفتنة تجيء من ها هنا، وأومأ بيده نحو المشرق، من حيث يطلع قرن الشيطان، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون؛ خطأ، فقال الله عز وجل له : وقتلت نفساً فنجيناك من الغم وفتناك فتونا. سورة طه.
قال الحافظ أبو العباس في "المفهم" (7/210) ووجه ذلك: بو العباس أن الله تعالى عظَّم على موسى عليه السلام وهو صفيُّه وكليمه، قتل كافر لم يُنه عن قتله، مع أن قتله كان خطأ، وكرر عليه، وامتن عليه بمغفرته له ذلك مراراً، فكيف يكون حال من سفك دماء خيار المسلمين من صدور هذه الأمة من الصحابة والتابعين؟!
كل ذلك بمحض الهوى، والتجرؤ على استباحة الدماء، فهم الذين قتلوا الحسين، وسبوا نساءه وأولاده من غير توقف، ولا سؤال، وسألوا عن دم البراغيث ليرتفع عنهم الإشكال، فإنا لله وإنا إليه راجعون".
وأخرج الإمام مسلم (1/53)، وأبو عوانة، وابن حبان، وأحمد، وغيرهم، وهو في "الصحيحة" (3436) عن جابر  رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم :

غلظُ القلوب والجفاء في المشرق، والإيمان في أهل الحجاز.
قلت: فما يجري في العراق مبدأ تَهَيِّج الفتن والفساد، يخشى توسعه الآن بحيث تصير بلاد الشام بأسرها داخلة في دائرة فتنتها؛ وعندئذ تكون بدايات وإرهاصات الملاحم التي تسبق خروج المهدي والله أعلم.
قال أبو موسى بعد روايته الحديث (رقم: 9):

والذي نفسي بيده ما أجد لي ولكم منها مخرجاً إن أدركتني وإياكم، إلا أن نخرج منها كما دخلنا فيها، لم نصب منها دماً ولا مالاً.
والإشارة إلى العراق أنها محلُّ الزلازل والفتن وفيها يطلع قرن الشيطان، لما تقدم من الأخبار الصحيحة، وأخرج يعقوب الفسوي في "المعرفة" وغيره، وهو في "الصحيحة" (2246)عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صل الله عليه وسلم  دعا فقال:

اللهم بارك لنا في مكتنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في شامنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا.
فقال رجل: يا رسول الله! وفي عراقنا . فأعرض عنه، فرددها ثلاثاً كل ذلك يقول الرجل: وفي عراقنا، فيعرض عنه، فقال:
                   بها الزلازل والفتن وفيها يطلع قرن الشيطان.
وفي رواية أخرجها الإمام البخاري (7094) عن عن ابن عمر مرفوعاً:
اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا"، قالوا يا رسول الله! وفي نجدنا. قال: "اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا"، قالوا: يا رسول الله! وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة: "هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان.
وأخرج الإمام أحمد (2/519) وهو في "الصحيحة" (2772) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم :
              لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، ويكثر الكذب، وتتقارب الأسواق، ويتقارب الزمان، ويكثر الهرج . قيل وما الهرج قال: القتل.
فقوله صل الله عليه وسلم (تظهر الفتن) هو الذي دعا الإمام البخاري رحمه الله تسميةُ بابٍ في كتاب الفتن من "صحيحه" هو: "بابُ ظهور الفتن" سلسل فيه أحاديثَ أيامٍ يكثرُ فيها الهرْج. فأخرج عن أبي هريرة عن النبي صل الله عليه وسلم :
يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشحُّ، وتظهر الفتن، ويكثر الهرْج. قالوا: يا رسول الله، أيما هو؟ قال: القتل، القتل.
والفتن أشار إليها النبي صل الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة يمكن الرجوع إلى تفاصيلها في كتب جامعة منهاعلى سبيل المثال كتاب "فقد جاء أشراطها" للشيخ محمود عطية محمد علي، وكتاب "أشراط الساعة" للشيخ يوسف بن عبد الله بن يوسف الوابل، وكتاب "قصة المسيح الدجال ونزول عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ للإمام محمد ناصر الدين الألباني، وكتاب "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة" للشيخ حمود بن عبد الله التويجري، وكتاب "منهج أهل السنة في التعامل مع نصوص الفتن والملاحم" للشيخ محمد بن عمر بن سالم بازمول، وكتاب "الموسوعة في أحاديث المهدي" لعبد العليم عبد العظيم البستوي، وكتاب "العراق في أحاديث وآثار الفتن" للشيخ مشهور بن حسن آل سلمان. وكتاب "موقف المسلم من الفتن" لحسين بن محسن أبي ذراع الحازمي.
وقوله (وتظهر الفتن)؛ قال ابن حجر في "الفتح" (13/18): فالمراد كثرتها، واشتهارها، وعدم التكاتم بها، والمراد بها أيضاً: ما يؤثر في أمر الدين، والله المستعان".
وقال: وأما كثرة القتل فالمراد بها: "ما لا يكون على وجه الحق كإقامة الحد والقصاص".
وفي تفسير قوله ـ تعالى ـ من سورة الأعراف :
                         يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا
           قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلا هوَ
 أخرج الإمام أحمد عن حذيفة مرفوعاً قال: سئل رسول الله صل الله عليه وسلم عن الساعة؟ فقال: فتلى الآية وقال:

ولكن أخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها إن بين يديها فتنةً وهرجاً . قالوا: يارسول الله الفتنة قد عرفناها، فالهرج ما هو؟ قال: بلسان الحبشة القتل، ويُلقى بين الناس التناكر فلا يكاد أحدٌ أن يعرف أحداً.
والإمام البخاري رحمه الله جعل باب ظهور الفتن في كتاب الفتن من "صحيحه" الباب الخامس بعد الأبواب التالية:
1- باب: ما جاء في قول الله تعالى 
واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة
 وما كان النبي صل الله عليه وسلم يحذِّر من الفتن.
وجعل أحاديث الباب رحمه الله: في التحذير من الرجوع على الأعقاب وتبديل السُنَّة .
قال ابن بطال في شرحه (10/2): "إن الفتنة إذا عمّت هلك الكل، وذلك عند ظهور المعاصي وانتشار المنكر.
        وقد سألت زينب النبي صل الله عليه وسلم عن هذا المعنى فقالت: يا رسول الله! أنهلِك وفينا الصالحون؟ قال:"نعم، إذا كثر الخبث"

 متفق عليه، وأخرجه ابن حبان (1906)، وهو في "الصحيحة" (987).
وفسر العلماء الخبث، أولاد الزنا، فإذا ظهرت المعاصي ولم تُغيَّر، وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة، والهرب منها، فإن لم يفعلوا فقد تعرضوا للهلاك، إلا أن الهلاك طهارة للمؤمنين ونقمة على الفاسقين، وبهذا قال السلف". انتهى كلام ابن بطال رحمه الله.
قال ابن قتيبة: والخبث: الفسوق والفجور، والعرب تدعو الزنا خبثاً وخبيثة.
2- باب: قول النبي صل الله عليه وسلم  "سترون بعدي أموراً تنكرونها". وقال عبد الله بن زيد: قال النبي صل الله عليه وسلم :

اصبروا حتى تَلقَوني على الحوض.
وجعل أحاديث الباب رحمه الله : في السمع والطاعة، وعدم الخروج على السلطان ولو جار، فالصبر في الفتن من شيَم أهل السنة حفْظاً للجماعة ولأن الفُرقة عذاب.
3- باب قول النبي صل الله عليه وسلم : "هلاك أمتي على يدي أغَيْلِمَة سفهاء".
قال ابن حجر في "الفتح" (13/10): "والمراد بالأمة هنا أهل ذلك العصر ومن قاربهم لا جميع الأمة إلى يوم القيامة".
وقال سعيد بن سمعان: "سمعت أبا هريرة يتعوَّذ من إمارة الصبيان والسفهاء". والسفيه: الجاهل. قال ابن بطال: "فبان بهذا الحديث أن الغلمة سفهاء، وأن الموجب لهلاك الناس بهم أنهم رؤساء وأمراء متغلبين".
وكان أبو هريرة يتعوذ من إمارة الصبيان امتثالاً لقوله صل الله عليه وسلم :

تعوذّوا بالله من رأس السبعين، وإمارة الصبيان.
 أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" وهو في "الصحيحة" (3191).
وبناء عليه أخرج أحمد في "المسند"، والإمام البخاري في الباب المشار إليه آنفاً حديث أبي هريرة الذي قال فيه: سمعت الصادق المصدوق يقول:

هَلَكَة أمتي على يدي غِلمة من قريش
فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان بني فلان لفعلت، قال (عمرو بن يحيي) فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلماناً أحداثاً قال لنا عسى هؤلاء أن يكونوا منهم، قلنا: أنت أعلم".
قال الحافظ: "والمراد أنهم يهلكون الناس بسبب طلبهم الملك والقتال لأجله، فتفسد أحوال الناس ويكثر الخبط بتوالي الفتن وقد وقع الأمر كما أخبر النبي صل الله عليه وسلم .
وقال: "ويؤخذ من هذا الحديث استحباب هجران البلدة التي يقع فيها إظهار المعصية فإنها سبب وقوع الفتن التي ينشأ عنها عموم الهلاك".
قال ابن وهب عن مالك فيما نقله ابن بطال في "شرحه": "تُهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهاراً، ولا يستقر فيها".
قال ابن بطال في "شرحه" (10/7): "وفي هذا الحديث أيضاً ـ يعني حديث الباب ـ حجة لجماعة الأمة في ترك القيام على أئمة الجور، ووجوب طاعتهم والسمع والطاعة لهم، ألا ترى أنه صل الله عليه وسلم أعلم أبا هريرة بأسمائهم وأسماء آبائهم، ولم يأمره بالخروج عليهم، ولا بمحاربتهم، وإن كان قد أخبر أن هلاك أمته على أيديهم، إذ الخروج عليهم أشد من الهلاك، وأقوى في الاستئصال، فاختار صل الله عليه وسلم أيسر الأمرين وأخف الهلاكين، إذ قد جرى قدر الله وعلمه على أئمة الجور أكثر من أئمة العدل وأنهم يتغلبون على الأمة، وهذا الحديث من أقوى ما يرد به على الخوارج".
وفي "الأدب المفرد" (66) أخرج الإمام البخاري عن سعيد بن سمعان قوله: فأخبرني ابن حسنة الجُهني أنه قال لأبي هريرة: ما آية ذلك؟ قال:
 أن تقطع الأرحام، ويطاع المُغْوِي، ويُعصَى المُرشِد. وهو موقوف لكن له حكم المرفوع.
4- باب قول النبي صل الله عليه وسلم :

ويل للعرب، من شر قد اقترب.
قال ابن حجر في "الفتح" (13/11): "إنما خَصَّ العرب بالذكر لأنهم أول من دخل الإسلام، وللإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك أسرع إليهم".
وقد صدر الإمام مسلم الحديث في كتاب الفتن وأشراط الساعة من "صحيحه"، قال الحافظ أبي العباس القرطبي في "المفهم" (7/206): "هذا تنبيه على الاختلاف والفتن والهرْج الواقع في العرب ، وأول ذلك قتل عثمان رضي الله عنه ولذلك أخبر عنه بالقرب، ثم لم يزل كذلك إلى أن صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكَلة".
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (13/13) بعد أن أشار إلى قتل عثمان رضي الله عنه: "ثم انتشرت الفتن في البلاد بعد ذلك، فالقتال بالجمل وبصفين كان بسبب قتل عثمان، والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم بصفين، وكل قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شيء من ذلك أو عن شيء تولد عنه. ثم أن قتل عثمان كان أشد أسبابه الطعن على أمرائه ثم عليه بتوليته لهم، وأول ما نشأ ذلك من العراق وهي من جهة المشرق".
لقد شهد العراق خروج من دخلوا على عثمان بن عفان رضي الله عنه في المدينة فقتلوه، وشهد قتل الحسين بن علي  رضي الله عنهما وما وقع من معارك وقتل.
 وشهد ظهور فرق الضلالة على السنَّة مما مكَّن لقوى الكفر والإلحاد من استباحته، وأخيراً الحرب الطاحنة التي أكلت الأخضر واليابس بين العراق وإيران، ثم دخول العراق الكويت والكويت منها وما نتج عنها من آلام مؤلمة، وفتن ضارية، على رأسها فتنة التكفير أسُّ التفجير إلى أن صار الأمر إلى التدخل الخارجي، فالتاريخ في هذا البلد يعيد نفسه.
فما تقدَّم مَهَّدَ لفتنة الهرْج التي نشاهد آثارها ساعة بساعة، ونخشى توسعها؛ فهل يا تُرى تنتهي الفتن من قبل المشرق التي أخبر عنها النبي صل الله عليه وسلم أنها جهة "الزلازل، والفتن، ويطلع منها قرن الشيطان؟!!!
والعراق المشار إليها في الأحاديث يدخل فيها شرق المدينة بعامة (نجد الحجاز، والكويت، والبحرين).
 فالحديث عَلَم من أعلام نبوته صل الله عليه وسلم . قال الشيخ مشهورحفظه الله في كتابه "العراق" تحت فصل: "مكان الفتنة" (1/168): "فمن الخطأ الجسيم حصر (تهييج الفتن) بالعراق بحدوده الجغرافية اليوم ونسيان مسمى (العراق) وحدوده آنذاك، وتناسي الأحاديث التي فيها ذكر عموم جهة (المشرق)، والله الموفق".
قال شيخنا الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (5/656): "فإن أول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سبباً للفرقة بين المسلمين، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة كبدعة التشيع والخروج ونحوها، وقد روى البخاري (7/77)، وأحمد (2/85 ، 153) عن ابن أبي نُعْم قال: "شهدت ابن عمر وسأله رجل من أهل العراق عن محرم قتل ذباباً فقال: يا أهل العراق! تسألوني عن محرم قتل ذباباً، وقد قتلتم ابن بنت رسول الله صل الله عليه وسلم وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم :
 "هما ريحانتي من الدنيا".
وإن من الفتن طعن الشيعة في كبار الصحابة رضي الله عنهم كالسيدة عائشة الصديقة بنت الصديق التي نزلت براءتها من السماء، فقد عقد عبد الحسين الشيعي المتعصب في كتابه "المراجعات" (ص237) فصولاً عدة في الطعن فيها وبتكذيبها في حديثها، ورميها بكل باقعة، بكل جرأة وقلة حياء، مستنداً في ذلك إلى الأحاديث الضعيفة والموضوعة..." انتهى كلام الألباني.
حدَّث ابن عمررضي الله عنهما عن النبي صل الله عليه وسلم قال:
"ألا إن الفتنة ههنا، ألا إن الفتنة ههنا، (قالها مرتين أو ثلاثاً) من حيث يطلع قرن الشيطان، يشير بيده إلى المشرق، (وفي رواية: العراق)". وللحديث عن ابن عمر طرق هي في "الصحيحة" (2494).
والإمام البخاري رحمه الله جعل في كتاب الفتن من "صحيحه" باب: قول النبي صل الله عليه وسلم :
الفتنة من قبل المشرق" أخرج فيه (الفتح ـ 7095) عن سعيد بن جبير قال: "خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا حسَناً، قال فبادَرنا إليه رجل فقال: "يا أبا عبد الرحمن حدِّثنا عن القتال في الفتنة والله يقول: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) فقال: "هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان محمد صل الله عليه وسلم يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة، وليس كقتالكم على المُلك".
وفَهْمُ الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما هو فهم الصحابي خالد بن الوليد رضي الله عنه فقد أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" كتاب الفتن (19194) بسند صحيح عن طارق بن شهاب قال: جلد خالد بن الوليد رجلاً حداً، فلما كان من الغد جلد رجلاً آخر حداً، فقال رجل هذه والله الفتنة، جلد أمس رجلاً في حدٍ، وجلد اليوم رجلاً في حد، فقال خالد: "ليس هذه بفتنة، إنما الفتنة أن تكون في أرض يعمل فيها بالمعاصي فتريد أن تخرج منها إلى أرض لا يعمل فيها بالمعاصي فلا تجدها".
والفتن في آخر الزمان إذا اشتدت، ضاع أمر الناس وصاروا بذي بليٍّ أي:

إذا كانوا طوائف وفرقاً من غير إمام،

"وكل من بعد عنك حتى لا تعرف موضعه فهو بذي بليٍ" .
 قال خالد بن الوليد : ""فينظر الرجل فيتفكر هل يجد مكاناً لم ينزل به مثل ما نزل بمكانه الذي هو فيه من الفتنة والشر فلا يجده، قال: وتلك الأيام التي ذكر رسول الله صل الله عليه وسلم : "بين يدي الساعة الهرج"، فنعوذ بالله أن تدركنا وإياكم تلك الأيام". أخرجه أحمد، والطبراني، وحسنه الألباني في "الصحيحة" (4/249).
لذا حرص الإمام البخاري وكان من فقهه أن أخرج رحمه الله في الباب: "باب قول النبي صل الله عليه وسلم:
ويل للعرب من شر قد اقترب" تحذيراً وتنبيهاً؛ حديثاً عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أشرف النبي صل الله عليه وسلم على أُطُم من آطام المدينة فقال:

هل ترون ما أرى"؟ قالوا: لا. قال: "فإني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القَطْر.
وفي رواية لمسلم(2885): (كمواقع القَطْر)، وفي رواية أخرجها البغوي في "شرح السنة" (15/4)(كوقع المطر).
والأُطُم: بضم الهمزة والطاء هو القصر والحصون التي تبنى بالحجارة، وقيل: هو كل بيت مربع مسطّح.

فحذر النبي صل الله عليه وسلم في هذا الحديث من وقوع الفتن

أيما تحذير، وعلى من بلغه هذا التحذير التأهب لها بالصبر،

واللجوء إلى الله بالاستقامة والعبادة،

لأنها تتغلغل في أوساط المسلمين فهي في نواحي البيوت.
قال ابن بطال: "...أخبر في حديث أسامة بوقوع الفتن خلال البيوت ليتأهبوا لها فلا يخوضوا فيها، ويسألوا الله الصبر والنجاة من شَرِّها".
قال ابن حجر في "الفتح" (4/95)): "شبَّه سقوط الفتن وكثرتها بسقوط القطر في الكثرة والعموم، وهذا من علامات النبوة لإخباره بما سيكون، وقد ظهر مصداق ذلك من قتل عثمان وهلمَّ جرا ولا سيما يوم الحرَّة".
قال الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله في خطبه المجموعة في "الضياء اللامع" (ص: 597): "وإخباره صل الله عليه وسلم عن ظهور الفتن، يشمل فتن الدين والدنيا، أما فتن الدين:
فكل ما يصد عن الإيمان بالله والقيام بأمره واتباع هدى نبيه صل الله عليه وسلم من العقائد، والأفكار الهدَّامة والسلوك المنحرف، والصد عن ذكر الله، وعن الصلاة بالاشتغال بالشهوات واللذائذ المحرمة .
 وأما فتن الدنيا: فما يحصل من القتل والخوف والسلب والنهب. وظهور الفتن دليل على ضعف العلم الصحيح، والإيمان الخالص، والولاية العادلة".
قلت: وقد توسعت في أيامنا هذه فأسأل الله اللطف والصبر والعافية والخروج منها سالمين.
وسمَّى الإمام المحدث محمد بن الحسين الآجري (المتوفى: 360) رحمه الله في كتابه "الشريعة" (1/373) باباً هو: باب السمع والطاعة لمن ولي أمر المسلمين والصبر عليهم، وإن جاروا وترك الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة. أخرج فيه بسند حسن عن سويد بن غفلة قال: قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه
 "لا أدري لعلك أن تخلف بعدي، فأطع الإمام، وإن أُمِّر عليك عبد حبشي مجدَّع، فإن ظلمك فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن دعاك إلى أمر ينقُصُك في دنياك، فقل: سمعاً وطاعة، دمي دون ديني".
قال الإمام الآجري: "فإن قال قائل: أيش الذي يحتمل عندك قول عمر رضي الله عنه فيما قاله؟.
قيل له: يحتمل والله أعلم أن نقول: من أُمِّر عليك من عربي أو غيره، أسود أو أبيض أو عجمي، فأطعه فيما ليس لله فيه معصية، وإن حرمك حقاً لك، أو ضربك ظلماً لك، أو أنتهك عرضك، أو أخذ مالك، فلا يحملك ذلك على أن تخرج عليه بسيفك حتى تقاتله، ولا تخرج مع خارجي يقاتله، ولا تحرِّض غيرك على الخروج عليه، ولكن اصبر عليه.
وقد يحتمل أن يدعوك إلى منقصة في دينك من غير هذه الجهة، يحتمل أن يأمرك بقتل من لا يستحق القتل، أو بقطع عضو من لا يستحق ذلك، أو بضرب من لا يحل ضربه، أو بأخذ مال من لا يستحق أن تأخذ ماله، أو بظلم من لا يحل له ولا لك ظلمه، فلا يسعك أن تطيعه.
فإن قال لك: لئن لم تفعل ما آمرك به وإلاَّ قتلتك أو ضربتك، فقل: دمي دون ديني".
قلت: ويشهد له الحديث الذي أخرجه أحمد، وهو في "الصحيحة" (180) عن عمران بن حصين عن النبي صل الله عليه وسلم قال:

لا طاعة في معصية الله تبارك وتعالى.
وفي رواية أخرجها الإمام البخاري، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم، عن علي رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم ـ:
               لا طاعة لبشر في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
ثم سمى رحمه الله باباً عقبه هو باب: فضل القعود في الفتنة عن الخوض فيها، وتخوُّف العقلاء على قلوبهم أن تهوى حالاً يكرهه الله تعالى ولزوم البيوت والعبادة لله تعالىـ. أخرج فيه حديثاً عن أبي هريرة (73) مرفوعاً:

تكون فتنة، القاعد فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من يستشرف لها تستشرف له، ومن وجد منها ملجأً أو معاذاً فليعذ به.
 والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، وابن حبان.
ومعنى يستشرف لها: أي: من طلع لها بشخصه طالعته. يقال: استشرفت الشيء: إذا رفعت رأسك ونظرت إليه.
وفي رواية أخرجها الآجري أيضاً (74): "من استشرف لها استشرفته".
وختم الباب رحمه الله بحديث معقل بن يسار الذي أشرنا إليه في مقدمة النشرة (الحديث رقم: 2) فكأنه بترتيبه أشار إلى فتنة الهرج تعقب فتنة الخروج والتكفير  والله أعلم .

الإمام البخاري رحمه الله تسميةُ بابٍ في كتاب الفتن من "صحيحه"بابُ ظهور الفتن سلسل فيه أحاديثَ أيامٍ يكثرُ فيها الهرْج


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق