الاثنين، 5 نوفمبر 2012

وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا



آيه ومعناها

 

وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا

 
وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا سورة النور

قَوْلِهِ تَعَالَى : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَرْجِعُ جَمِيعُهُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ :

الْأَوَّلُ : أَنَّ الزِّينَةَ هُنَا نَفْسُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِ الْمَرْأَةِ ; كَوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا .

الثَّانِي : أَنَّ الزِّينَةَ هِيَ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ خَارِجًا عَنْ بَدَنِهَا .

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَفِي الزِّينَةِ الْمَذْكُورَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ بَدَنِ الْمَرْأَةِ قَوْلَانِ :

أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا الزِّينَةُ الَّتِي لَا يَتَضَمَّنُ إِبْدَاؤُهَا رُؤْيَةَ شَيْءٍ مِنَ الْبَدَنِ ; كَالْمُلَاءَةِ الَّتِي تَلْبَسُهَا الْمَرْأَةُ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَالْخِمَارِ وَالْإِزَارِ .

وَالثَّانِي : أَنَّهَا الزِّينَةُ الَّتِي يَتَضَمَّنُ إِبْدَاؤُهَا رُؤْيَةَ شَيْءٍ مِنَ الْبَدَنِ كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ .

فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ رُؤْيَةَ الْوَجْهِ أَوْ بَعْضِهِ ، وَكَالْخِضَابِ وَالْخَاتَمِ ، فَإِنَّ رُؤْيَتَهُمَا تَسْتَلْزِمُ رُؤْيَةَ الْيَدِ ، وَكَالْقُرْطِ وَالْقِلَادَةِ وَالسِّوَارِ ، فَإِنَّ رُؤْيَةَ ذَلِكَ تَسْتَلْزِمُ رُؤْيَةَ مَحَلِّهِ مِنَ الْبَدَنِ ; كَمَا لَا يَخْفَى .

وَسَنَذْكُرُ بَعْضَ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ نُبَيِّنُ مَا يُفْهَمُ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ رُجْحَانُهُ .

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :

 وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا أَيْ : لَا يُظْهِرْنَ شَيْئًا مِنَ الزِّينَةِ لِلْأَجَانِبِ ، إِلَّا مَا لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ كَالرِّدَاءِ وَالثِّيَابِ ، يَعْنِي عَلَى مَا كَانَ يَتَعَاطَاهُ نِسَاءُ الْعَرَبِ مِنَ الْمِقْنَعَةِ الَّتِي تُجَلِّلُ ثِيَابَهَا ، وَمَا يَبْدُو مِنْ أَسَافِلِ الثِّيَابِ ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا فِيهِ لِأَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُهَا إِخْفَاؤُهُ وَنَظِيرُهُ فِي زِيِّ النِّسَاءِ مَا يَظْهَرُ مِنْ إِزَارِهَا ، وَمَا لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ : وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَالْخَاتَمَ .

وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلزِّينَةِ الَّتِي نُهِينَ عَنْ إِبْدَائِهَا ; كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فِي قَوْلِهِ : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الزِّينَةُ : الْقُرْطُ ، وَالدُّمْلُوجُ ، وَالْخَلْخَالُ ، وَالْقِلَادَةُ ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، قَالَ : الزِّينَةُ زِينَتَانِ ، فَزِينَةٌ لَا يَرَاهَا إِلَّا الزَّوْجُ الْخَاتَمُ وَالسِّوَارُ ، وَزِينَةٌ يَرَاهَا الْأَجَانِبُ ، وَهِيَ الظَّاهِرُ مِنَ الثِّيَابِ ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : لَا يَبْدُو لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا الْأَسْوِرَةُ وَالْأَخْمِرَةُ وَالْأَقْرِطَةُ مِنْ غَيْرِ حَسْرٍ ، وَأَمَّا عَامَّةُ النَّاسِ ، فَلَا يَبْدُو مِنْهَا إِلَّا الْخَوَاتِمُ .

 وَقَالَ مَالِكٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا : الْخَاتَمُ وَالْخَلْخَالُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ، وَمَنْ تَابَعَهُ أَرَادُوا تَفْسِيرَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا : بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " :

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْطَاكِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:

أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا ، وَقَالَ " : يَا أَسْمَاءُ ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا " ، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ ، لَكِنْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ : هُوَ مُرْسَلٌ ، خَالِدُ بْنُ دُرَيْكٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، اهـ كَلَامُ ابْنِ كَثِيرٍ .

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا : وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَدْرِ ذَلِكَ ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : ظَاهِرُ الزِّينَةِ هُوَ الثِّيَابُ ، وَزَادَ ابْنُ جُبَيْرٍ : الْوَجْهُ ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَيْضًا ، وَعَطَاءٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ : الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ وَالثِّيَابُ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَقَتَادَةُ ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ : ظَاهِرُ الزِّينَةِ هُوَ الْكُحْلُ وَالسِّوَارُ وَالْخِضَابُ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ وَالْقِرَطَةُ وَالْفَتَخُ وَنَحْوُ هَذَا ، فَمُبَاحٌ أَنْ تُبْدِيَهُ الْمَرْأَةُ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهَا مِنَ النَّاسِ . وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ فِي مَعْنَى نِصْفِ الذِّرَاعِ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :

لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِذَا عَرَكَتْ أَنْ تُظْهِرَ

 إِلَّا وَجْهَهَا وَيَدَيْهَا إِلَى هَاهُنَا  ، وَقَبَضَ عَلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ .

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيَظْهَرُ لِي بِحُكْمِ أَلْفَاظِ الْآيَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَأْمُورَةٌ بِأَنْ لَا تُبْدِيَ وَأَنْ تَجْتَهِدَ فِي الْإِخْفَاءِ لِكُلِّ مَا هُوَ زِينَةٌ ، وَوَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا يَظْهَرُ بِحُكْمِ ضَرُورَةِ حَرَكَةٍ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، أَوْ إِصْلَاحِ شَأْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَمَا ظَهَرَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِمَّا تُؤَدِّي إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ فِي النِّسَاءِ ، فَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ .

وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، وَابْنُ جَرِيرٍ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ:الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَالْقُرْطُ وَالْقِلَادَةُ .

وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ : هُوَ خِضَابُ الْكَفِّ ، وَالْخَاتَمُ .

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ : وَجْهُهَا ، وَكَفَّاهَا وَالْخَاتَمُ .

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ : رُقْعَةُ الْوَجْهِ ، وَبَاطِنُ الْكَفِّ .

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ ؟ فَقَالَتِ : الْقَلْبُ وَالْفَتَخُ ، وَضَمَّتْ طَرَفَ كُمِّهَا .

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ : إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ : الْوَجْهُ وَثُغْرَةُ النَّحْرِ .

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ : إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ : الْوَجْهُ وَالْكَفُّ .

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ : إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ : الْكَفَّانِ وَالْوَجْهُ .

وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ : الْمُسْكَتَانِ وَالْخَاتَمُ وَالْكُحْلُ .

وَقَدْ رَأَيْتَ فِي هَذِهِ النُّقُولِ الْمَذْكُورَةِ عَنِ السَّلَفِ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَالزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ ، وَأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ رَاجِعٌ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ; كَمَا ذَكَرْنَا :

الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّينَةِ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ الْمَرْأَةُ خَارِجًا عَنْ أَصْلٍ خِلْقَتِهَا ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ رُؤْيَةَ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا ; كَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَمَنْ وَافَقَهُ : إِنَّهَا ظَاهِرُ الثِّيَابِ ; لِأَنَّ الثِّيَابَ زِينَةٌ لَهَا خَارِجَةٌ عَنْ أَصْلِ خِلْقَتِهَا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ بِحُكْمِ الِاضْطِرَارِ ، كَمَا تَرَى .

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا وَأَحْوَطُهَا ، وَأَبْعَدُهَا مِنَ الرِّيبَةِ وَأَسْبَابِ الْفِتْنَةِ .

الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّينَةِ : مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ ، وَلَيْسَ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهَا أَيْضًا ، لَكِنَّ النَّظَرَ إِلَى تِلْكَ الزِّينَةِ يَسْتَلْزِمُ رُؤْيَةَ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِ الْمَرْأَةِ ، وَذَلِكَ كَالْخِضَابِ وَالْكُحْلِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ النَّظَرَ إِلَى ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ رُؤْيَةَ الْمَوْضِعِ الْمُلَابِسِ لَهُ مِنَ الْبَدَنِ ، كَمَا لَا يَخْفَى .

الْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ بَعْضُ بَدَنِ الْمَرْأَةِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهَا ; كَقَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِمَا ظَهَرَ مِنْهَا الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ ، وَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ .

وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا ، فَاعْلَمْ أَنَّنَا قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا أَنْ يَقُولَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْآيَةِ قَوْلًا ، وَتَكُونُ فِي نَفْسِ الْآيَةِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ الْقَوْلِ ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا فِي تَرْجَمَتِهِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ إِرَادَةَ مَعْنًى مُعَيَّنٍ فِي اللَّفْظِ ، مَعَ تَكَرُّرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ فِي الْقُرْآنِ ، فَكَوْنُ ذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ مِنَ اللَّفْظِ فِي الْغَالِبِ ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ; لِدَلَالَةِ غَلَبَةِ إِرَادَتِهِ فِي الْقُرْآنِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ ، وَذَكَرْنَا لَهُ بَعْضَ الْأَمْثِلَةِ فِي التَّرْجَمَةِ .

وَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ ، فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَيْنَ النَّوْعَيْنِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ لِلَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ ، وَمَثَّلْنَا لَهُمَا بِأَمْثِلَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ كِلَاهُمَا مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا .

أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا ، فَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي مَعْنَى : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّينَةِ : الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ مَثَلًا ، تُوجَدُ فِي الْآيَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ ، وَهِيَ أَنَّ الزِّينَةَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ ، هِيَ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِمَّا هُوَ خَارِجٌ عَنْ أَصْلِ خِلْقَتِهَا : كَالْحُلِيِّ ، وَالْحُلَلِ .

 فَتَفْسِيرُ الزِّينَةِ بِبَعْضِ بَدَنِ الْمَرْأَةِ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَلَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ، إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ : الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ : الْوَجْهُ ، وَالْكَفَّانِ خِلَافُ ظَاهِرِ مَعْنَى لَفْظِ الْآيَةِ ، وَذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ ، فَلَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ .

وَأَمَّا نَوْعُ الْبَيَانِ الثَّانِي الْمَذْكُورِ ، فَإِيضَاحُهُ : أَنَّ لَفْظَ الزِّينَةِ يَكْثُرُ تَكَرُّرُهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مُرَادًا بِهِ الزِّينَةُ الْخَارِجَةُ عَنْ أَصْلِ الْمُزَيَّنِ بِهَا ، وَلَا يُرَادُ بِهَا بَعْضُ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُزَيَّنِ بِهَا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [ 7 \ 31 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ [ 7 \ 32 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا [ 18 \ 7 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا [ 28 \ 60 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ [ 37 \ 6 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً الْآيَةَ [ 16 \ 8 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ الْآيَةَ [ 28 \ 79 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْآيَةَ [ 18 \ 46 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ الْآيَةَ [ 57 \ 20 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ [ 20 \ 59 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ مُوسَى : وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ [ 20 \ 87 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [ 24 \ 31 ] ، فَلَفْظُ الزِّينَةِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ كُلِّهَا يُرَادُ بِهِ مَا يُزَيَّنُ بِهِ الشَّيْءُ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ ، كَمَا تَرَى ، وَكَوْنُ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْغَالِبُ فِي لَفْظِ الزِّينَةِ فِي الْقُرْآنِ ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الزِّينَةِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ يُرَادُ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى ، الَّذِي غَلَبَتْ إِرَادَتُهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ .

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق