الاثنين، 14 يناير 2013

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً



يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً

مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي. سورة الفجر

 قَوْلُهُ تَعَالَى : يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ لَمَّا ذَكَرَ حَالَ مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الدُّنْيَا فَاتَّهَمَ اللَّهَ فِي إِغْنَائِهِ ، وَإِفْقَارِهِ ، ذَكَرَ حَالَ مَنِ اطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى . فَسَلَّمَ لِأَمْرِهِ ، وَاتَّكَلَ عَلَيْهِ . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - . وَالنَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " السَّاكِنَةُ الْمُوقِنَةُ أَيْقَنَتْ أَنَّ اللَّهَ رَبَّهَا ، فَأَخْبَتَتْ لِذَلِكَ قَالَهُ مُجَاهِدٌ  وَغَيْرُهُ  .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيِ الْمُطْمَئِنَّةُ بِثَوَابِ اللَّهِ . وَعَنْهُ الْمُؤْمِنَةُ . وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمُؤْمِنَةُ الْمُوقِنَةُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا : الرَّاضِيَةُ بِقَضَاءِ اللَّهِ ، الَّتِي عَلِمَتْ أَنَّ مَا أَخْطَأَهَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهَا ، وَأَنَّ مَا أَصَابَهَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهَا . وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْآمِنَةُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ . وَفِي حَرْفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ   ( يَأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْآمِنَةُ الْمُطْمَئِنَّةُ ) . وَقِيلَ : الَّتِي عَمِلَتْ عَلَى يَقِينٍ بِمَا وَعَدَ اللَّهَ فِي كِتَابِهِ .
 وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: الْمُطْمَئِنَّةُ هُنَا : الْمُخْلِصَةُ . وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: الْعَارِفَةُ الَّتِي لَا تَصْبِرُ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ . وَقِيلَ : الْمُطْمَئِنَّةُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانُهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ. وَقِيلَ : الْمُطْمَئِنَّةُ بِالْإِيمَانِ ، الْمُصَدِّقَةُ بِالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ . وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمُطْمَئِنَّةُ ; لِأَنَّهَا بُشِّرَتْ بِالْجَنَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَعِنْدَ الْبَعْثِ ، وَيَوْمَ الْجَمْعِ . وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : يَعْنِي نَفْسَ حَمْزَةَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ نَفْسِ مُؤْمِنٍ مُخْلِصٍ طَائِعٍ .
قَالَ  الْحَسَنُ الْبَصْرِيِّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ رُوحَ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ ، اطْمَأَنَّتِ النَّفْسُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَاطْمَأَنَّ اللَّهُ إِلَيْهَا . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِذَا تُوُفِّيَ الْمُؤْمِنُ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ ، وَأَرْسَلَ مَعَهُمَا تُحْفَةً مِنَ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولَانِ لَهَا : اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ، وَمَرْضِيًّا عَنْكِ ، اخْرُجِي إِلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ ، وَرَبٍّ رَاضٍ غَيْرِ غَضْبَانَ ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ وَجَدَ أَحَدٌ مِنْ أَنْفِهِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ  صَلّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنَّ الْمَلَكَ يَقُولُهَا لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ   : مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ  بِالطَّائِفِ ،  فَجَاءَ طَائِرٌ لَمْ يُرَ عَلَى خِلْقَتِهِ طَائِرٌ قَطُّ ، فَدَخَلَ نَعْشَهُ ، ثُمَّ لَمْ يُرَ خَارِجًا مِنْهُ ، فَلَمَّا دُفِنَ تُلِيَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرلَا يُدْرَى مَنْ تَلَاهَا : يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً  . وَرَوَى الضَّحَّاكُ  أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ وَقَفَ بِئْرَ رُومَةَ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي  خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ  الَّذِي صَلَبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ ،   وَجَعَلُوا وَجْهَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ  فَحَوَّلَ اللَّهُ وَجْهَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
مَعْنَى إِلَى رَبِّكِ أَيْ إِلَى صَاحِبِكِ وَجَسَدِكِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ  وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ. وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ  وَدَلِيلُهُ قِرَاءَةُ ابْنُ عَبَّاسٍ  فَادْخُلِي فِي عَبْدِي عَلَى التَّوْحِيدِ ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْوَاحَ غَدًا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْأَجْسَادِ . وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ( فِي جَسَدِ عَبْدِي ) . وَقَالَ الْحَسَنُ: ارْجِعِي إِلَى ثَوَابِ رَبِّكِ وَكَرَامَتِهِ . وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ : الْمَعْنَى : ارْجِعِي إِلَى اللَّهِ . وَهَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ .
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي أَيْ فِي أَجْسَادِ عِبَادِي دَلِيلُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ هِيَ دَارُ الْخُلُودِ الَّتِي هِيَ مَسْكَنُ الْأَبْرَارِ ، وَدَارُ الصَّالِحِينَ وَالْأَخْيَارِ .
 وَمَعْنَى فِي عِبَادِي أَيْ فِي الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِي كَمَا قَالَ : لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ.وَقَالَ لْأَخْفَشُ: فِي عِبَادِي أَيْ فِي حِزْبِي وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ . أَيِ انْتَظِمِي فِي سِلْكِهِمْ .وَادْخُلِي جَنَّتِي مَعَهُمْ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق