يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ
الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً
مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي
وَادْخُلِي جَنَّتِي. سورة الفجر
وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: الْمُطْمَئِنَّةُ هُنَا : الْمُخْلِصَةُ . وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: الْعَارِفَةُ الَّتِي لَا تَصْبِرُ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ . وَقِيلَ : الْمُطْمَئِنَّةُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانُهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ. وَقِيلَ : الْمُطْمَئِنَّةُ بِالْإِيمَانِ ، الْمُصَدِّقَةُ بِالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ . وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمُطْمَئِنَّةُ ; لِأَنَّهَا بُشِّرَتْ بِالْجَنَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَعِنْدَ الْبَعْثِ ، وَيَوْمَ الْجَمْعِ . وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : يَعْنِي نَفْسَ حَمْزَةَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ نَفْسِ مُؤْمِنٍ مُخْلِصٍ طَائِعٍ .
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيِّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ رُوحَ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ ، اطْمَأَنَّتِ النَّفْسُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَاطْمَأَنَّ اللَّهُ إِلَيْهَا . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِذَا تُوُفِّيَ الْمُؤْمِنُ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ ، وَأَرْسَلَ مَعَهُمَا تُحْفَةً مِنَ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولَانِ لَهَا : اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ، وَمَرْضِيًّا عَنْكِ ، اخْرُجِي إِلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ ، وَرَبٍّ رَاضٍ غَيْرِ غَضْبَانَ ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ وَجَدَ أَحَدٌ مِنْ أَنْفِهِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْمَلَكَ يَقُولُهَا لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ ، فَجَاءَ طَائِرٌ لَمْ يُرَ عَلَى خِلْقَتِهِ طَائِرٌ قَطُّ ، فَدَخَلَ نَعْشَهُ ، ثُمَّ لَمْ يُرَ خَارِجًا مِنْهُ ، فَلَمَّا دُفِنَ تُلِيَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرلَا يُدْرَى مَنْ تَلَاهَا : يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً . وَرَوَى الضَّحَّاكُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ وَقَفَ بِئْرَ رُومَةَ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ الَّذِي صَلَبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ ، وَجَعَلُوا وَجْهَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَحَوَّلَ اللَّهُ وَجْهَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
مَعْنَى إِلَى رَبِّكِ أَيْ إِلَى صَاحِبِكِ وَجَسَدِكِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ. وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ وَدَلِيلُهُ قِرَاءَةُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَادْخُلِي فِي عَبْدِي عَلَى التَّوْحِيدِ ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْوَاحَ غَدًا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْأَجْسَادِ . وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ( فِي جَسَدِ عَبْدِي ) . وَقَالَ الْحَسَنُ: ارْجِعِي إِلَى ثَوَابِ رَبِّكِ وَكَرَامَتِهِ . وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ : الْمَعْنَى : ارْجِعِي إِلَى اللَّهِ . وَهَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ .
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي أَيْ فِي أَجْسَادِ عِبَادِي دَلِيلُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ . وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ هِيَ دَارُ الْخُلُودِ الَّتِي هِيَ مَسْكَنُ الْأَبْرَارِ ، وَدَارُ الصَّالِحِينَ وَالْأَخْيَارِ .
وَمَعْنَى فِي عِبَادِي أَيْ فِي الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِي كَمَا قَالَ : لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ.وَقَالَ لْأَخْفَشُ: فِي عِبَادِي أَيْ فِي حِزْبِي وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ . أَيِ انْتَظِمِي فِي سِلْكِهِمْ .وَادْخُلِي جَنَّتِي مَعَهُمْ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق