الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

كيفية اكتشاف الأعاصير






مخاطر الطقس

 
كيفية اكتشاف الأعاصير


 يمكن اكتشاف بصمة إعصار قمعي بوساطة رادار دوپلر قبل هبوطه إلى الأرض بزمن يصل إلى 20 دقيقة. كما يمكن أن يشير تغير الرياح في السحب بصورة مفاجئة عبر مسافة قصيرة إلى وجود دوامة فعلية أو إلى احتمال حدوثها، كما هي الحال بالنسبة لإعصار قمعي (في الأعلى) شاهده المؤلف في هانستون بولاية كنساس في 16/5/1995.

 ويبدو إعصار متوسط، وهو الذي يطوق بإحكام، عادة، الأعاصير القمعية، على شاشة رادار تقليدي، وكأنه ذيل له شكل كلاّب أو منجل، في الجانب الجنوبي الغربي من العاصفة الرعدية. أما اللفّة في كلاّب الرادار (في الأسفل) فهي لعاصفة في هانستون، وهي تكشف بدورها عن وجود إعصار قمعي.

ويبين أحد التقارير عن الكوارث العالمية الصادر عن الاتحاد الدولي للصليب الأحمر أن العواصف العاتية والكوارث ذات الصلة بالفيضانات قد تسبب في 60 % من مجموع الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية.

 أدت معظم الأعاصير القمعية إلى تدمير ممراتها التي يبلغ عرضها 150 قدما وهي تتحرك بسرعة 30 ميلا في الساعة ـ تقريبا ـ وتمكث بضع دقائق فقط. وقد يزيد عرض الإعصار على الميل وهو ينساب بسرعة تزيد على 60 ميلا في الساعة، وقد يبقى على الأرض أكثر من ساعة. والأعاصير القمعية في نصف الكرة الشمالي، كتلك المدمِّرة التي تحدث في الولايات المتحدة وشمال شرقي الهند وبنغلاديش، تدور دائما بعكس اتجاه عقارب الساعة عندما تُرى من أعلى. أما الأعاصير القمعية في نصف الكرة الجنوبي ـ كتلك التي تتشكل في أستراليا ـ فإنها تميل للدوران مع اتجاه عقارب الساعة. وهذه الاتجاهات تدعى الاتجاهات الحلزونية أو الإعصارية.

 وقد اكتشف <E.M. بروكس> (من جامعة سانت لويس) عام 1949 ـ وهو يدرس الكيفية التي يتغير فيها ضغط الهواء في محطات الرصد الجوي القريبة من الأعاصير القمعية ـ أن هذه الأعاصير القمعية تتولد عادة داخل كتل أكبر من الهواء الدوار تدعى الأعاصير المتوسطة mesocyclones. وقد ظهر على شاشة الرادار في أوربانا بولاية إلينوي عام 1953 إعصار متوسط على شكل ذيل معقوف على الجانب الجنوبي الغربي من الصدى الرإداري للعاصفة.

 ولأن المطر يعكس الموجات المكروية (الصغرية) الصادرة عن الرادار، فإن الشكل المعقوف يشير إلى أن المطر كان يُسحب إلى داخل ستارة تدور بشكل حلزوني (إعصاري).

وخلال عام 1957 درس<T..T فوجيتا> (من جامعة شيكاغو) واختبر صورا وأفلاما التقطها سكان محليون لقاعدة وجوانب عاصفة إعصارية في ولاية داكوتا الشمالية، فوجد أن معظم برج السحابة كان يدور إعصاريا. وفي الستينات، تمكن <K.A. براونين >، خبير أرصاد بريطاني كان في زيارة للمشروع الوطني للعواصف العنيفة National Severe Storms Project، وهو مؤسسة الأبحاث التي كانت قائمة قبل تأسيس المختبر الوطني للعواصف العنيفة (NSSL)، من تشكيل صورة دقيقة للغاية للعواصف الإعصارية، وذلك من معلومات رإدارية جمعت مع بعضها البعض.

وقد تبين له أن معظم الأعاصير القمعية تولد داخل عواصف تتصف بالضخامة والعنف سماها الخلايا الفائقة. كما تبين له أن هذه الأنظمة القوية تتطور في بيئات غير مستقرة إلى حد كبير، حيث تتغير فيها الرياح بشكل جذري من حيث الارتفاع. وحيث يتوضع الهواء البارد والجاف فوق هواء دافئ ورطب في طبقة يبلغ عمقها ميلا فوق سطح الأرض. وتفصل بين الكتلتين الهوائيتين طبقة رقيقة ومستقرة، حاجزة عدم الاستقرار.

التركيب البنيوي لإعصار قمعي

 تتشكل خلية فائقة لعاصفة رعدية عندما يخترق هواء دافئ ورطب طبقة مستقرة فوقه ويتحرك إلى الأعلى عبر هواء بارد وجاف. ويميل التيار الصاعد في نصف الكرة الشمالي إلى الشمال الشرقي وتُنقص حزم الهواء الدافئة سرعتها داخل طبقة الستراتوسفير وتسقط إلى الأسفل وتنتشر على الجوانب في «السندان». وتهطل أمطار من تيار صاعد مائل متوضع في الجزء الشمالي الشرقي من العاصفة ضمن هواء جاف في المستويات المتوسطة، مبردة إياه، مما يسبب هبوطه نحو الأسفل. وتجذب الحركة الدورانية للخلية الفائقة بعضا من هذه الأمطار والهواء البارد المحيط بها إلى الجانب الغربي من العاصفة. ويلتقي هواء دافئ وهواء مُبرَّد بالمطر قرب سطح الأرض في حد مضطرب يسمى جبهة الهبات العاصفة. وتميل السحب الحائطية المنخفضة والأعاصير القمعية إلى التشكل على طول هذا الخط قرب طرف مستدق يشير إلى مركز دوران العاصفة. ويمكن لهذا الحاجز أن يُتلف ويفتح إذا سخنت الشمسُ كتلة الهواء في الطبقة السفلى، أو إذا غزاه نظام طقس آخر. وتعتبر الجبهات الهوائية والتيارات النفاثة واضطرابات الطبقات العليا من الزوار المعتادين للسهول العظيمة خلال موسم الأعاصير القمعية، وكلها قد تدفع الهواء من الطبقات السفلى إلى أعلى. ولأن ضغط الهواء ينخفض مع الارتفاع، فإن حزم الهواء المرتفعة تتمدد وتبرد، وعندما تصل إلى علو مناسب، تبرد بما يكفي لبدء تكثف بخار الماء فيها على شكل قطيرات ضبابية، مشكلة قاعدة سحابة منبسطة. ويطلق بخار الماء خلال تكاثفه الحرارة الكامنة فيه رافعا درجة حرارة حزم الهواء. وتصل هذه الحزم إلى ارتفاع تصبح فيه أكثر دفئا من محيطها، ومن ثم تعلو بحرية إلى ارتفاعات شاهقة بسرعة تصل إلى 150 ميلا في الساعة، مشكلة رأسا برجيا رعديا. وتعمل الرياح القاصة على تغيير اتجاه الرياح الصاعدة نحو الشمالالشرقي.

 وتلتحم قطيرات الماء خلال ارتفاعها لتشكل قطرات مطر. وتتغير قدرة الطفو للحزم الهوائية جزئيا نتيجة ما فيها من ماء وثلج. وعندما تصل هذه الحزم إلى طبقة الستراتوسفير تفقد قوة اندفاعها وتهبط إلى علو نحو ثمانية أميال، حيث تتدفق على الجوانب مشكلة «سندان» العاصفة. وتتبخر قطرات الماء الهاطلة خارج تيار الرياح الصاعدة في هواء جاف متوسط الارتفاع على الجانب الشمالي الشرقي للخلية الفائقة، مما يؤدي إلى تبريد هذا الهواء وهبوطه إلى سطح الأرض. وبمرور الوقت تسحب الأمطار والتيار الهابط إلى جوار التيار الصاعد بقوة دوران العاصفة. وبسبب كون نسبة الرطوبة في الهواء البارد أعلى منها في الهواء الدافئ فإنه يصبح غائما على ارتفاعات أقل إذا ما أُجبر على الارتفاع. وهكذا تتشكل سحابة منخفضة عندما يمتص التيار الصاعد جزءا من هذا الهواء. وخلافا لمعظم العواصف الرعدية، التي تحوي عدة تيارات صاعدة وأخرى هابطة يتداخل بعضها مع بعض، فإن الخلايا الفائقة تحوي خلية أو خليتين، كل منهما فيها تياران متعايشان أحدهما تيار هابط والآخر تيار صاعد عريض ودوار. ويسمح مستوى التنظيم العالي لخلية فائقة بالاستمرار مدة طويلة في حالة تكاد تكون مستقرة وشديدة الفعالية، مما يفضي إلى تشكيل الإعصار القمعي. وربما بدأت منطقة تيار صاعد، طول نصف قطرها يتراوح بين ميل واحد وثلاثة أميال، بالدوران مع رياح تصل سرعتها إلى 50 ميلا في الساعة أو أكثر، مشكِّلة إعصارا متوسطا. وقد تُطوِّر العاصفة عندئذ دورانا على علو منخفض، وربما أيضا إعصارا قمعيا ـ عادة إلى الجانب الجنوبي الغربي من التيار الصاعد بالقرب من التيار الهابط المجاور، في حين أن الإعصار المتوسط قد يكون إما تام النمو أو أنه آخذ في التلاشي التدريجي. وفي نهاية المطاف، يتلاشى الإعصار المتوسط في غطاء من المطر، عندما يقطع تيارَه الصاعدَ قرب سطح الأرض هواءٌ بارد جدا يهب من قلب التيار الهابط. أما في الخلايا الفائقة المستمرة، فقد يكون إعصار متوسط جديد قد تشكل سلفا على بعد بضعة أميال إلى الجنوب الشرقي من ذلك المتلاشي، على طول جبهة للرياح العاصفة الناشطة ـ وهي الحدود بين كتلتي الهواء الحارة والباردة. وعندئذ قد يتشكل إعصار قمعي جديد بسرعة.

 القوة التدميرية

 يكشف الضرر الذي تسببه الأعاصير القمعية للأبنية والمسافات التي تُحمل إليها الأجسام الثقيلة، عن السرعة المفرطة التي تصل إليها الرياح قرب سطح الأرض. ففي السبعينات توصلت مؤسسة أبحاث الكوارث في لوبوك بولاية تكساس، إلى نتيجة مفادها أن حدوث أسوأ الأضرار يتطلب رياحا تصل سرعتها إلى 275 ميلا في الساعة. ولاحظ المهندسون أيضا أن جدران الأبنية المواجهة للرياح، وهي تقع غالبا في الجنوب الغربي، تسقط بشكل دائم تقريبا إلى داخل الأبنية ـ مما يدل ضمنا على أن الأبنية إنما تتضرر في معظم الأحيان نتيجة القوة الهائلة للرياح، وليس نتيجة للانخفاض المفاجئ في الضغط الجوي.

 ونتيجة لذلك لم يعد يُنصح سكان «مجاز الأعاصير القمعية» Tornado Alley في الغرب الأوسط الأمريكي بفتح النوافذ لتقليل الضغط داخل منازلهم. وكانت هذه النصيحة تتسبب في إصابة العديد من الناس بجروح من جراء الزجاج المتطاير عندما يُهرعون لفتح النوافذ، كما لم يعد يقال للسكان إن عليهم أن يختبئوا في الزوايا الجنوبية الغربية من المنزل ـ حيث يكونون معرضين لخطر بالغ بسقوط الجدران فوقهم.

 ويتم حث السكان حاليا على الاختباء داخل خزانة بوسط المنزل لكي يحصلوا على حماية إضافية من الجدران الداخلية المعرّضة للسقوط.

 تعقُّب الإعصار القمعي أدار المختبر الوطني للعواصف العنيفة NSSL مشروعا لاعتراض الإعصار القمعي في الفترة ما بين عامي 1972 و 1986 وذلك من أجل تحديد متى وأين يمكن أن يظهر إعصار قمعي. وقد حصلت فرق الاعتراض، مبدئيا، على شريط فيلمي لقياس سرعات الرياح القصوى، كما أُمدَّت بـ «حقائق أرضية» لأرصاد الرادار، إلا أن فوائد أخرى تتالت.. فقد لاحظ المتعقبون أن الأعاصير القمعية تتشكل غالبا في أجزاء من عاصفة خالية من الأمطار والبرق، مستبعدين بذلك نظريات اعتمدت على هذه المثيرات في تبرير حدوث الأعاصير القمعية. وفي عام 1975 تم تسجيل إعصار قمعي مضاد نادر. ولأن دورانه كان مغايرا لدوران الأرض، فإنه لم يكن مجرد تجسيم لدوران الكوكب.

 واستضاف المختبر الوطني للعواصف العنيفة NSSL مشروعا آخر خلال فصلي الربيع عامي 1993 و 1994 تحت عنوان: تجربة التحقق من مصادر الدوران في الأعاصير القمعية (VORTEX). وبموجب المشروع يقوم أسطول من العربات المقفلة بإجراء قياسات داخل الخلايا الفائقة وقربها.

ويتولى قيادة إحدى هذه العربات المنسق الميداني <E.N. راسموسين> وهو من المختبر NSSL، الذي يعمل مع متخصصين في الأرصاد الجوية يتخذون من المراكز الرئيسية في نورمان مقرا لهم لاختيار عاصفة ما كهدف، والقيام بتنسيق كافة الأرصاد التي يجمعونها.

 وقد زُودت خمس عربات بأجهزة لقياس اتجاه وسرعة الرياح العليا بوساطة بالونات الرصد (السبر) balloon soundings داخل العواصف وبالقرب منها، فيما أقيمت محطات لرصد عناصر الطقس على سقوف 12 عربة أخرى. وثبتت أجهزة هذه المحطات بحيث تكون على ارتفاع عشر أقدام عن سطح الأرض، أي أعلى من الهواء المزاح بوساطة العربات.

 أما المعلومات التي تجمعها فيتم تخزينها واسترجاعها بوساطة حواسيب موجودة داخل العربات.

 وتهدف إحدى هذه العربات الاثنتي عشرة إلى الحصول على فيلم مصور للأعاصير القمعية من أجل تحليلها، وتنشر عربتان أخرىان تسع سلاحف (قمريات) Turtles، وقد سُمّيت هكذا لأنها تشبه سلاحف البحر في الشكل. وهذه السلاحف هي حزم من الأجهزة وزنها 40 رطلا مصممة لتصمد أمام الإعصار القمعي، وقد زودت بمجسات (محسات) sensors، مخفية تماما بتروس واقية من الرياح لقياس درجات الحرارة والضغط، ووضعت في أمكنة تسبق الأعاصير القمعية، بحيث تبعد إحداها عن الأخرى مسافة 100 ياردة.

 وأطلق على العربات التسع الباقية اسم: المسبارات probes؛ ومهمتها الوحيدة جمع معلومات عن الطقس في مناطق محددة من العاصفة. ومهمة المسبار رقم 1 قياس نسبة الزيادة أو النقصان في درجة الحرارة في أمكنة قرب الإعصار القمعي أو الإعصار المتوسط وإلى الشمال منهما، وهي أمكنة يسقط فيها البَرَد بشكل متكرر وفي فترات متقاربة. وقد حطمت حبات البَرَد، التي يبلغ حجم الواحدة منها حجم الكرة اللينة، الزجاج الأمامي للمسبار رقم 1 مرتين في ربيع عام 1995.

 بعد أن تلاشى الإعصار في يوم الثلاثاء ذاك، 16/5/1995، هُرعنا نحو الشرق لنكون جنبا إلى جنب مع العاصفة بغية العثور على إعصار متوسط جديد. وقد صادَفَنا، ونحن ننطلق في خط متعرج تحت المطر على طرقات مغطاة بالحصى، صفين من أعمدة الطاقة، يصل عددها إلى ثمانية، مطروحة أرضا في الحقول، وقد قُصمت من علو قدمين عن سطح الأرض. مما يؤكد أنه كان هناك إعصار قمعي شديد محجوبا بالأمطار إلى الشمال الشرقي منا. (قرأت في صحف اليوم التالي أن 150 عمودا قد سقطت). ورأينا على بعد نحو 30 ميلا باتجاه الشرق سحابة حائطية دوارة تشبه قاعدة العمود، متوضعة على بعد بضعة أميال من قاعدة السحابة الرئيسية. وبدا لنا إعصار قمعي ضيق، ليس منطلقا من السحابة الحائطية الداكنة، كما هو معتاد، ولكن من قاعدة سحابة مجاورة أعلى منها. وكانت هذه الدوامة تصل إلى الأرض فترات قصيرة رافعة الحطام، ولكن لم يدم بقاؤها سوى دقائق قليلة كسحابة قمعية عالية، ومن دون أن تَظهر أي إشارات أو دلائل مرئية على وجود اتصال بينها وبين الأرض.

 وتشكلت سحابة حائطية جديدة إلى الشمال الشرقي ما لبثت أن صارت من الضخامة والانخفاض بشكل ينذر بالسوء. ولكنها لم تؤد، مع ذلك، إلى تشكل إعصار قمعي. كما تطورت بالقرب من جيتمور عاصفة جديدة في مكان يقع إلى الجنوب من تلك التي كنا نلاحقها. وانطلقنا شمالا لكي نتأكد من أن العاصفة الأولى كانت تَفْقد في حقيقة الأمر إمكانات تشكيل إعصار قمعي، ثم عُدْنا أدراجنا واتجهنا جنوبا نحو العاصفة الجديدة.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق