مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ عِنْدَ الرَّجُلِ فَحَلَّلَهَا لَهُ هَلْ
يُبَيِّنُ مَظْلَمَتَهُ
قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ
وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ
مَظْلَمَتِهِ
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ
سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ إِنَّمَا سُمِّيَ الْمَقْبُرِيَّ لِأَنَّهُ
كَانَ نَزَلَ نَاحِيَةَ الْمَقَابِرِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَسَعِيدٌ
الْمَقْبُرِيُّ هُوَ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ
وَاسْمُ أَبِي سَعِيدٍ كَيْسَانُ قَوْلُهُ : الْمَظْلِمَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ وَابْنُ التِّينِ وَالْجَوْهَرِيُّ فَتْحَهَا وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الْقُوطِيَّةِ ، وَرَأَيْتُ بِخَطِّ مُغَلْطَايْ أَنَّ الْقَزَّازَ حَكَى الضَّمَّ أَيْضًا .
وَقَوْلُهُ : " هَلْ يُبَيِّنُ " فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مِنَ الْمَجْهُولِ ، وَإِطْلَاقُ الْحَدِيثِ يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى صِحَّتِهِ ، وَقَدْ تَرْجَمَ بَعْدَ بَابِ " إِذَا حَلَّلَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ " وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِبْرَاءِ مِنَ الْمُجْمَلِ أَيْضًا ، وَزَعَمَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ حُجَّةً لِاشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِأَنَّ قَوْلَهُ : " مَظْلِمَةٌ " يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ مُشَارًا إِلَيْهَا أهـ . وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ . قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ : إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ التَّقْدِيرُ حَيْثُ يَقْتَصُّ الْمَظْلُومُ مِنَ الظَّالِمِ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُـوَ فِيمَا إِذَا أَسْقَطَ الْمَظْلُومُ حَقَّهُ فِي الدُّنْيَا هَـلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ قَدْرَهُ أَمْ لَا ؟ وَقَدْ أُطْلِقَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ . نَعَمْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ التَّحْلِيلِ مِنَ الْمُعَيَّنِ الْمَعْلُومِ ، فَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ مَوْجُودَةً صَحَّتْ هِبَتُهَا دُونَ الْإِبْرَاءِ مِنْهَا .
قَوْلُهُ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ ) اللَّامُ فِي قَوْلِهِ : " لَهُ " بِمَعْنَى عَلَى ، أَيْ مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ وَسَيَأْتِي فِي الرِّقَاقِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ بِلَفْظِ " مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ " ، وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ " رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا كَانَتْ لَهُ عِنْدَ أَخِيهِ مَظْلِمَةٌ " .
قَوْلُهُ : ( مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ ) أَيْ مِنَ الْأَشْيَاءِ ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَالُ بِأَصْنَافِهِ وَالْجِرَاحَاتُ حَتَّى اللَّطْمَةُ وَنَحْوُهَا ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ " مِنْ عِرْضٍ أَوْ مَالٍ " .
قَوْلُهُ : ( قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ .
قَوْلُهُ : ( أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ ) أَيْ صَاحِبِ الْمَظْلِمَةِ ( فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الظَّالِمِ ، وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ " فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ " ، وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مَعْنَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَوْضَحُ سِيَاقًا مِنْ هَذَا وَلَفْظُهُ :
الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ
يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي وَقَدْ
شَتَمَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ
حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ
يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ وَطُرِحَ فِي
النَّارِ.
وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا
وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى :وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ وَظُلْمِهِ وَلَمْ يُعَاقَبْ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ مِنْهُ بَلْ بِجِنَايَتِهِ فَقُوبِلَتِ الْحَسَنَاتُ بِالسَّيِّئَاتِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ عَدْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
قَوْلُهُ : ( قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ : إِنَّمَا سُمِّيَ الْمَقْبُرِيَّ إِلَخْ ) ثَبَتَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ ، وَإِسْمَاعِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق