وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ
الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ
قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ
مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُهْتَدُونَ (157) سورة البقرة
عن ابن عباس قوله : الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه
راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون . قال أخبر الله عز
وجل أن العبد المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع فاسترجع عند المصيبة كتب له ثلاث خصال
من الخير الصلاة من الله والرحمة وتحقيق سبيل الهدى ، وقال رسول الله صل الله عليه
وسلم :من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا يرضاه .
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الهيثمي
أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يَبْتَلِي عِبَادَهُ [ الْمُؤْمِنِينَ ] أَيْ : يَخْتَبِرُهُمْ وَيَمْتَحِنُهُمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ . [ مُحَمَّدٍ : 31 ] فَتَارَةً بِالسَّرَّاءِ ، وَتَارَةً بِالضَّرَّاءِ مِنْ خَوْفٍ وَجُوعٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ. [ النَّحْلِ : 112 ] فَإِنَّ الْجَائِعَ وَالْخَائِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ; وَلِهَذَا قَالَ : لِبَاسُ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ . وَقَالَ هَاهُنَا ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) أَيْ : بِقَلِيلٍ مِنْ ذَلِكَ ( وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ ) أَيْ : ذَهَابُ بَعْضِهَا ) وَالْأَنْفُسِ ) كَمَوْتِ الْأَصْحَابِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَحْبَابِ ) وَالثَّمَرَاتِ ) أَيْ : لَا تُغِلُّ الْحَدَائِقُ وَالْمَزَارِعُ كَعَادَتِهَا .
كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : فَكَانَتْ بَعْضُ النَّخِيلِ لَا تُثْمِرُ غَيْرَ وَاحِدَةٍ . وَكُلُّ هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَخْتَبِرُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ، فَمَنْ صَبَرَ أَثَابَهُ [ اللَّهُ ] وَمَنْ قَنَطَ أَحَلَّ [ اللَّهُ ] بِهِ عِقَابَهُ . وَلِهَذَا قَالَ : ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )
وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَوْفِ هَاهُنَا : خَوْفُ اللَّهِ ، وَبِالْجُوعِ : صِيَامُ رَمَضَانَ ، وَنَقْصِ الْأَمْوَالِ : الزَّكَاةُ ، وَالْأَنْفُسِ : الْأَمْرَاضُ ، وَالثَّمَرَاتِ : الْأَوْلَادُ .
وَفِي هَذَا نَظَرٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى مَنِ الصَّابِرُونَ الَّذِينَ شَكَرَهُمْ ، قَالَ : الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أَيْ : تَسَلَّوْا بِقَوْلِهِمْ هَذَا عَمَّا أَصَابَهُمْ ، وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ مِلْكٌ لِلَّهِ يَتَصَرَّفُ فِي عَبِيدِهِ [ ص: 468 ] بِمَا يَشَاءُ ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَضِيعُ لَدَيْهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَأَحْدَثَ لَهُمْ ذَلِكَ اعْتِرَافَهُمْ بِأَنَّهُمْ عَبِيدُهُ ، وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ . وَلِهَذَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَمَّا أَعْطَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ : أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ أَيْ : ثَنَاءٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَرَحْمَةٌ .
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : أَيْ : أَمَنَةٌ مِنَ الْعَذَابِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : نِعْمَ الْعَدْلَانِ وَنَعِمَتِ الْعِلَاوَةُ ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ فَهَذَانَ الْعَدْلَانِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ فَهَذِهِ الْعِلَاوَةُ ، وَهِيَ مَا تُوضَعُ بَيْنَ الْعَدْلَيْنِ ، وَهِيَ زِيَادَةٌ فِي الْحِمْلِ وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ ، أُعْطُوا ثَوَابَهُمْ وَزِيدُوا أَيْضًا .
وَقَدْ وَرَدَ فِي ثَوَابِ الِاسْتِرْجَاعِ ، وَهُوَ قَوْلُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ عِنْدَ الْمَصَائِبِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ . فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ،عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : أَتَانِي أَبُو سَلَمَةَ يَوْمًا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا سُرِرْتُ بِهِ . قَالَ :
لَا يُصِيبُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ فَيَسْتَرْجِعُ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ، إِلَّا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ .
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَحَفِظْتُ ذَلِكَ مِنْهُ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ اسْتَرْجَعْتُ وَقُلْتُ : اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخَلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهُ ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي . فَقُلْتُ : مِنْ أَيْنَ لِي خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ ؟ فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي اسْتَأْذَنَ عَلِيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَدْبُغُ إِهَابًا لِي فَغَسَلْتُ يَدِي مِنَ الْقَرَظِ وَأَذِنْتُ لَهُ ، فَوَضَعْتُ لَهُ وِسَادَةَ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ ، فَقَعَدَ عَلَيْهَا ، فَخَطَبَنِي إِلَى نَفْسِي ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَقَالَتِهِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا بِي أَلَّا يَكُونَ بِكَ الرَّغْبَةُ ، وَلَكِنِّي امْرَأَةٌ ، فِيَّ غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ ، فَأَخَافَ أَنْ تَرَى مِنِّي شَيْئًا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ بِهِ ، وَأَنَا امْرَأَةٌ قَدْ دَخَلْتُ فِي السِّنِّ ، وَأَنَا ذَاتُ عِيَالٍ ، فَقَالَ :
أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ
الْغَيْرَةِ فَسَوْفَ يُذْهِبُهَا اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ عَنْكِ . وَأَمَّا مَا
ذَكَرْتِ مِنَ السِّنِّ فَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ الذِي أَصَابَكِ ، وَأَمَّا مَا
ذَكَرْتِ مِنَ الْعِيَالِ فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي .
قَالَتْ : فَقَدْ سَلَّمْتُ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بَعْدُ : أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِأَبِي سَلَمَةَ
خَيْرًا مِنْهُ ، رَسُولَ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
مَا مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا مُسَلَمَةَ
يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَذْكُرُهَا وَإِنْ طَالَ عَهْدُهَا ،
وَقَالَ عَبَّادٌ : قَدُمَ عَهْدُهَا فَيُحْدِثُ
لِذَلِكَ اسْتِرْجَاعًا ،
إِلَّا جَدَّدَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ
فَأَعْطَاهُ مِثْلَ أَجْرِهَا يَوْمَ أُصِيبَ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّالَحِينِيُّ ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ قَالَ : دَفَنْتُ ابْنًا لِي ، فَإِنِّي لَفِي
الْقَبْرِ إِذْ أَخَذَ بِيَدِي أَبُو طَلْحَةَ يَعْنِي الْخَوْلَانِيُّ فَأَخْرَجَنِي ، وَقَالَ لِي : أَلَا
أُبَشِّرُكَ ؟ قُلْتُ : بَلَى . قَالَ : حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ ، عَنْ أَبِي
مُوسَى ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
قَالَ اللَّهُ : يَا مَلَكَ
الْمَوْتِ ، قَبَضْتَ وَلَدَ عَبْدِي ؟ قَبَضْتَ قُرَّةَ عَيْنِهِ وَثَمَرَةَ
فُؤَادِهِ ؟
قَالَ نَعَمْ . قَالَ : فَمَا قَالَ
؟
قَالَ : حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ ،
قَالَ : ابْنُو لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق